عنوان رئيسي : أمريكا لا تخاف ممن يصلي الفجر
عنوان فرعي : الحمقى لا يدخلون الجنة
بقلم/ محمد الدويك
* * *
وبعد فترة صمت قليلة أمسك لحيته التي غزاها الشيب , ونظر نحوي بأسى , وقال بصوت متحشرج : "ولذلك عدت الى مصر وقررت ترك الجهاد"
ثم أكمل حديثه :
"لقد حملت سلاحا أمريكا متطورا , وهاجمت معاقل السوفييت المتمركزة على الحدود .. كنت أظن أني أهاجم شيطان الكفر الاعظم , وأنتصر للإسلام وأحرر أراضيه .. علموني أن الشيوعية هي صنم اللات الذي يجب هدمه حتى ينتصر الاسلام , وبعزيمة مجاهد يحلم بالحور العين ظللت أهدم فيه حتى انتصرنا"
ويستطرد :
"لست غبيا , لقد تعلمت الهندسة في قسم الكهرباء في جامعة عين شمس , وبدأت ملاحظة ما يدور حولي , بعض القيادات قد اتخذت مكاتب مكيفة وتركت أرض القتال , بعضهم صار ثريا وعدد زيجاته وركب سيارة بدلا من البغال .. ثم مشيت في الشوارع ففجعت مما وجدت .. مستوى فقر لا يمكن تخيله , بؤس وشقاء ومرض وجوع , انهم يبحثون – دون مبالغة – عن الطعام في القمامة فلا يجدوه .
ومن خلال قراءات في بعض الصحف العالمية اكتشفت ان افغانستان واحدة من افقر المناطق في العالم .
وأدركت أن أمريكا استخدمتنا في حرب بالوكالة لتصفية حسابات مع عدوها الأزلي .. نصبت فخا للاتحاد السوفيتي تستنزف فيه قواه .. وبالمصادفة كان الفخ يصلي الفجر ويتهجد بالليل ويقرأ سورة الانفال."
هل نتيجة الجهاد في سبيل الله أن تزداد أمريكا قوة وتزداد بلادنا فقرا !!
*
هل تخشى أمريكا الاسلام ؟
هل تجعله عدوا بديلا للعدو السوفيتي المنهار في التسعينات ؟ ولو كان الأمر كذلك فأي صيغة من الاسلام تخشاها أمريكا وتعاديها , وأي صيغة تجدها مقبولة وملائمة !!
أزعم أن أقوى حليف لأمريكا في النصف الاخير من القرن العشرين كانت القيادات الاسلامية .
دعونا نتمثل منهجا علميا في التفكير , تتبع الجزئيات للوصول الى نتيجة كبرى .. لا اذكر القائل بذلك , عساه إيمانويل كانط أو فرانسيس بيكون .
*
- الاسلام على طريقة فتح الله كولن ورجب طيب أردوغان :
أمريكا ترحب جدا بالاسلام على النموج التركي الحالي , والذي يحافظ على تحالف عسكري واستراتيجي مع اسرائيل ويشارك في حلف الناتو NATO , ويعطي حقوقا أكبر للشواذ , ويسعى للالتحاق بالقطار الاوروبي .
كما أن تريكا اضطرت ابتلاع تهديداتها لاسرائيل عقب ضرب سفينتها الذاهبة بمساعدات لغزة , وظلت تحافظ على الشراكة العسكرية والتجارية مع اسرائيل حتى لا يغضب حلفاؤها في اوروبا وامريكا .
- الخليج :
منطقة أمراء النفط ومشايخ الوهابية السلفية والشركات الامريكية التي تنقب عن البترول وتحمل الزيت الخام في الطائرات وعبر مياه الأطلسي مباشرة الى مانهتن وسان فرانسيسكو .
ومنذ عقدين هبطت طائرات وزارة الدفاع الامريكي وفرق المارينز لاقامة معسكر أمريكي على أرض الحرم والقبلة , وعلى مرمى حجر من مرقد رسول الاسلام . وتوسعت الامدادات العسكرية والامريكية حتى باتت على وشك بناء حائط صواريخ يحوط منطقة الخليج بأكملها .
سمعت تصريحا من المتحدث الرسمي باسم مجلس التعاون الخليجي يرحب بفكرة بناء حائط الصواريخ ويعتبر أن أمريكا جاءت "لحماية" منطقة الخليج ضد الخطر الفارسي القادم من وراء ماء الخليج !!
ولو قررت أمريكا ضرب ايران – عدوها الحالي – فستكون المعركة من فوق أراض عربية مسلمة . وأعتقد أن البعض سيتطوع باصدار فتاوى تبيح قتل الشيعة على يد الامريكان .
- سوريا :
لا أحد ينكر أن بشار وأبيه سفاحان حكما بلادهما بالقمع والقتل .. وأننا جميعا مع ثورة سورية تقتلع النظام , ولكن الهتافات الحنجورية وحدها لا تكفي , يجب أن نعيد دراسة الوضع قليلا وندرك طبيعة ما يجري على أرض سوريا .
سوريا هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتحالف بشكل صريح مع ايران , كما أنها الدولة الوحيدة التي لازالت على بقايا العهد مع الاتحاد السوفيتي ووريثته روسيا .
والنفط في سواحلها عند بانياس تقوم عليه شركات روسية , والاسطول الروسي يجد في طرطوس المعبر الوحيد له على سواحل المتوسط , ولو سقطت سوريا في يد الربيع الامريكي فالمنطقة قد صارت أمريكية بامتياز , وبذلك تستطيع أمريكا اكمال الحصار والخناق على ايران , وتفقد ايران نقطة التميز الوحيدة وهي امتلاك الارض .
امريكا تملك السماء بالطائرات والصواريخ وتستطيع مهاجمة ايران جوا , ولكن ايران تملك الارض فتستطيع الرد عبر سوريا أو عبر تسليح الجنوب اللباني او قطاع غزة .
الثورة في سوريا قد ارتضت التسلح والاموال والمد اللوجستي القادم من الخليج وتركيا , برعاية امريكية . وتلك فاتورة يجب دفعها لاحقا – كما تدفعها ليبيا الان من خلال امتيازات شركات النفط الفرنسية والايطالية التي تمتلك قرابة 70% من النفط الليبي , وتم توزيع الانصباء على قوات التحالف بناء على توزيع القوات العسكرية . حينما يكون النفط غنيمة الحروب – والفاتورة سيدفعها الثوار إذا اعتلوا الحكم .
الفاتورة تتمثل في طرد روسيا والتنصل من ايران وعودة العلاقات الامريكية الخليجية , لتنتقل سوريا الى نموذج "اسلامي" جديد بمباركة امريكية . ليدخل ضمن محاور "الاعتدال" .
لا بأس أن يتقاتل الاسلام داخليا وينتحر طائفيا , ولكن يحرص على رفع العلم الامريكي ومعاداة الكتلة الشرقية ومعاداة الاسلام الشيعي , وفتح فخذي الوطن أمام الشركات العابرة للقارات , وفتح السواحل لعبور الناقلات والمجال الجوي لعبور الطائرات .
ولا تنس أن الوزيرة هيلاري كلينتون أثنت على كلمة الدكتور محمد مرسي في طهران حول الوضع في سوريا .. كلينتون لا يهمها الصلاة على النبي والثناء على صحابته , بل يهمها ما يدعم مواقفها الاستراتيجية في المنطقة , وخطاب مرسي كان مطمئنا , لأنه يمشي في الاتجاه الصحيح الذي تبتغيه امريكا .. اسلام سني مهادن يعادي التشيع ويعادي روسيا ويتحالف مع الولايات المتحدة ويحافظ على تعهداته مع اسرائيل ويستمر في تلقي المعونات الاقتصادية ويدعم النموذج الرأسمالي .
يقول الخبراء أنه الدولة التي لا تملك قوت يومها لا تستطيع أن تمتلك سياسة خارجية مستقلة ! ونحن لا نملك قوت يومنا .
*
مصر .. بلادي :
نشرت صحيفة نيويورك تايمز بعد وقت قليل من اعلان فوز الدكتور مرسي رئيسا أن سفير اسرائيل في واشنطن "مايكل أورين" يبذل جهدا كبيرا لاقناع أعضاء الكونجرس الامريكي بضرورة تقديم دعم مالي لمصر . لان ارتفاع مستوى الازمات الداخلية في مصر من بطالة وتضخم سيؤدي الى عدم استقرار حكم الدكتور مرسي وعدم استقرار مصر بالتبعية , وهذا يهدد معاهدة السلام بين القاهرة وتل ابيب .
وبعد فوز الدكتور مرسي بالرئاسة قامت امريكا بالغاء مليار دولار من الديون المصرية البالغة 3 مليار دولار , اضافة الى ربع مليار دولار ضمانات قروض لقطاع الاعمال الصغيرة والمتوسطة و 219 مليون دولار لدعم الاستثمار .
ربما هذا هو الفيصل بين ادارة اوباما وادارة رومني المرشح للرئاسة .. اوباما يتعامل بمبدأ احتواء الشرق وتدجين الاسلاميين واستخدامهم كورقة رابحة لمصالحه في المنطقة , بينما رومني يرى بالمواجهة الخشنة .
وصرح "ليونيل جونسون" مسئول الشرق الاوسط في غرفة التجارة الامريكية انه من المهم أن تقدم الولايات المتحدة لمصر ما يدفعها للنظر للغرب وليس للشرق .
ربما لهذا قرر نائب وزيرة الخارجية الامريكية "توماس نيدس" زيارة القاهرة بصحبة فريق من غرفة التجارة الامريكية ومندوبي 50 شركة أمريكية منها زيروكس وكاتر بيلر .
ولن أنسى زيارة السيناتور جون ماكين والسيناتور جون كيري لمكتب الارشاد ولمكتب السيد خيرت الشاطر في مدينة نصر .. وجلوس السيدة هيلاري كلينتون مع اعضاء حزب النور السلفي في مقرهم !!
ثم بعد ذلك يقف احدهم على المنبر ويدعو على امريكا ويردد جموع المصلين "آمين" وهم لا يدركون أن الامر أكبر من ذلك .
*
هل تعرفون مم تخاف أمريكا ؟؟
انها تخاف من اسلام ثوري يقلب المنضدة في وجهها ويعيد تشكيل خريطة العالم .. اسلام يدعم قيم التكافل الاجتماعي ويسعى لانشاء اقتصاد صلب يواجه التوغل الرأسمالي المتوحش ويفرد مساحة أكبر لاعادة توزيع الثروة لصالح الطبقات الاقل .
تخشى من الجامعات والبحث العلمي التي تسحب الريادة العلمية الامريكية .. ميت رومني اثناء خطبته الاولى قال ان العالم لا يستطيع ان يعيش من دون امريكا , من دون الصناعات الامريكية ومن دون الاختراعات الامريكية .
وامريكا تخشى أن يقاسمها احد تلك السيادة .
امريكا تخشى ان نكون قادرين على التنقيب على النفط بأنفسنا واعادة تكريره وتصديره وبيعه بدلا من التعاقد معهم لاستخراجه بعقود احتكار استعمارية طويلة الاجل وبدلا من تصديره خام واعادة استيراده مصنعا .
امريكا تخشى أن ننحي المشاكل الدينية جانبا , وأن نقفز فوق التفاهات العرقية و الايدولوجية و الطائفية ونبدأ في زراعة القمح وصناعة السلاح وغزو الفضاء وامتلاك شركات الدواء .
امريكا تفرح بالمواطن المسلم الذي يطلق لحيته ويذهب لصلاة الفجر , ولكنه بعد الصلاة يسارع الى المخبز لشراء عشرة أرغفة نصفها للقمح الامريكي .. كما أنها تفرح بالمرأة المنقبة والتي لو مرضت تسارع بشراء الدواء الامريكي من الصيدلية .
وتفرح بالحكومات المسلمة التي تخدم مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية .. وتفرح بأننا متخلفون وجهلاء ومتعصبون وارهابيون .
وتفرح بالمجاهدين الذين يشترون السلاح من تجارها الاقليميين ليقاتلوها به , ولا يدركون انها تبعث بسلاح قديم , فرز تالت , بينما تحتفظ لنفسها بالسلاح المتطور حتى لو لزم الامر تستطيع القضاء علينا به .. ولكنها ستخاف لو علمنا ان الجهاد يبدأ بالمعمل والجامعة والحقل ومعدلات التنمية .
*
أحد اساتذة التاريخ في جامعة كمبردج والمتخصص في التاريخ الاسلامي , قال أن محمدا حينما جاء الى قومه برسالة جديدة , استمع له الفقراء والعبيد , وبدأوا في الاستجابة له , وهؤلاء العبيد هم الآلة الرئيسية التي يقوم عليها الاقتصاد في مكة .. انهم الكادحون الذين يسهمون في ثراء السادة الكبار , بينما لا ينالهم إلا جلد السوط لظهورهم .
ولقد أكد محمد على المساواة بين البشر , وعلى نصيب الفقراء في الثروة , وهاجم الظلم الذي يقع على العبيد . فعلم هؤلاء العبيد حقوقهم المسلوبة , وبذلك كانت تعاليم محمد تهدد البناء الاجتماعي والاقتصادي الموجود أنذاك . هذا البناء القائم على الظلم والاستعباد ووفرة الأموال في يد قلة محتكرة .
وهنا ناصبوه العداء .. زعماء القبائل والاثرياء .
هذا هو النموذج الاسلامي الذي نسيناه ونساه أمراء النفط ونساه مشايخ الفضائيات , ولكن وحدات الدراسات الامريكية تذكره جيدا , وتعمد الى قتله وتغييبه . وتفرح حينما تجد المسلمين ملتهون في الطقوس والمظاهر وزخرفة المساجد والحديث عن عذاب القبر والحجاب والحور العين .
يعاملونا بمنطق : سندع لكم الجنة .. لا تقلقون .. ولكن اتركوا لنا الدنيا .
الغريب أن الجنة لن تكون من نصيب الحمقى الذين رضوا أن يكونوا مستضعفين في الارض .