امتدت الاحتجاجات التركية المطالبة بإسقاط حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان إلى عشرات المدن التركية، واحتل آلاف المتظاهرين ساحات المدن الكبرى، وتواصلت المظاهرات التى وصفها ناشطون بـ«ثورة النباتات» لليوم الرابع على التوالى فى إسطنبول وأنقرة، أمس، ودخل «الربيع التركى» مرحلة حرق مقار حزب العدالة والتنمية الحاكم فى «أزمير» فى مؤشر يهدد بتصاعد المواجهة بين المحتجين والحكومة.
ودعا أردوجان المتظاهرين مجددا إلى الهدوء، ووصف المحتجين بأنهم «متطرفون» مدفوعون من الخارج ومن المعارضة التركية، وقال إن «الذين يتحدثون عن ربيع تركى على صواب، حيث إننا فى فصل الربيع بالفعل، لكن البعض يريدون أن يحولوه إلى شتاء، ولن يفلحوا». بينما دعا الرئيس التركى عبدالله جول المتظاهرين إلى الهدوء وخاطبهم بقوله: «رسالتكم وصلت» على غرار الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على، خلال الثورة التى أطاحت به. وأضاف أن المظاهرات السلمية جزء من الديمقراطية، ودعا المواطنين إلى التزام الهدوء.
وأشعل محتجون النار فى مكاتب حزب العدالة والتنمية، ليل أمس الأول، فى مدينة أزمير الساحلية غرب تركيا، وأظهرت مشاهد تليفزيونية اشتعال النار فى جزء من مبنى الحزب. وامتلأت الجدران والشوارع بالكتابات والجرافيتى المناهضة لحكومة أردوجان. وتجددت الاشتباكات بين آلاف المتظاهرين وعناصر الأمن، مساء أمس الأول، وصباح أمس، بعد محاولات آلاف المتظاهرين محاصرة مكتب رئيس الوزراء فى إسطنبول وأنقرة، وأغلقت الشرطة الطرقات المؤدية لمقرى الحكومة، بعد تفريق المحتجين بالغاز المسيل للدموع، ورد المتظاهرون بإلقاء الحجارة على الحواجز الأمنية، وأقام آلاف المحتجين المتاريس فى ساحة «تقسيم»، للحيلولة دون دخول قوات الأمن. وفى الشارع الرئيسى قرب مكتب أردوجان فى أنقرة، قاد متظاهر جرارا صغيرا تجاه الشرطة وخلفه المتظاهرون، وحول المحتجون المساجد والجامعات والمحال التجارية إلى مستشفيات ميدانية لعلاج الجرحى.
وأكد اتحاد الأطباء التركى سقوط أول قتيل فى الاحتجاجات هو شاب «٢٠ عاماً»، عندما صدمت سيارة أجرة مسيرة لمتظاهرين فى إسطنبول.
وتجمع آلاف المتظاهرين فى عدة مناطق بإسطنبول، ونظموا مسيرات حاشدة ورددوا هتافات: «كلنا جنودك يا مصطفى كمال» فى إشارة إلى مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، و«استقالة الديكتاتور..استقالة الطيب»، و«كلنا تقسيم»، و«كلنا صامدون»، وقالوا إن هذه ليست مجرد احتجاجات بل ثورة شعبية، مؤكدين أن «تركيا علمانية وستبقى علمانية». وأظهرت صورة على موقع «يوتيوب» شاحنة شرطة مدرعة تصدم محتجا لدى اقتحامها حاجزا فى إسطنبول، ومتظاهرين يسيطرون على سيارات للشرطة، على غرار ما حدث خلال الثورة المصرية. وفى مؤشر على اتساع نطاق الاحتجاجات، نقلت صحيفة «حريت» التركية عن محمد جولر، وزير الداخلية، قوله «إن ٢٣٥ مظاهرة وقعت فى ٦٧ مدينة بأنحاء تركيا»، موضحا أنه تم اعتقال ١٧٠٠ شخص جرى الإفراج عن غالبيتهم بعد استجوابهم. واجتذبت المظاهرات مجموعات واسعة من الأتراك من جميع الفئات العمرية وشتى الأطياف السياسية والاجتماعية. ودوت أصوات أبواق السيارات وقرع الناس على الأوانى من الشرفات دعما للاحتجاجات فى إسطنبول وأنقرة طوال ليلة أمس الأول. ونفى حزب الشعب الجمهورى، أكبر أحزاب المعارضة، الوقوف وراء الاضطرابات منحيا باللائمة على سياسات أردوجان. وقال: «الموجودون فى الشوارع ينتمون إلى جميع المذاهب الفكرية والأحزاب».
وأعلن اتحاد نقابات عمال القطاع العام أنه سينظم «إضراباً تحذيرياً»، اليوم وغداً، احتجاجاً على إرهاب الدولة وقمع الاحتجاجات، وأكد أن حكومة العدالة والتنمية تعادى الديمقراطية، وتراجعت قيمة العملة التركية أمام الدولار، بينما هوت الأسهم بنحو ٨٪ بسبب الاضطرابات.
وفى وقت تدفق. آلاف المتظاهرين مجدداً مساء الإثنين إلى ساحة تقسيم فى إسطنبول، فى اليوم الرابع من الحركة الشعبية المناهضة للحكومة التركية، وسط تدخل للشرطة، طمأن أردوجان من الرباط المغربية خلال جولة مغاربية له إلى أن الأوضاع فى بلاده تتجه نحو الهدوء، وأكد فى مؤتمر صحفى مع نظيره المغربى عبدالإله ابن كيران أن «الوضع يتجه نحو الهدوء وستحل المشاكل حال عودتى من زيارتى». واتهم رئيس الوزراء التركى الذى بدأ الإثنين زيارة لشمال أفريقيا ابتداء من المغرب، معارضيه بـ«الاستيلاء السياسى على الاحتجاجات». وأوضح أن «مشكلة الأشجار والحديقة تسببت فى أحداث، لكن التظاهرات للأسف دفعت من طرف أشخاص لم ينجحوا فى الانتخابات».
وفى مؤتمر صحفى، قبيل توجهه للمغرب فى زيارة خارجية، أمس، قال أردوجان، إن «المتطرفين» يتعاونون مع حزب الشعب الجمهورى للمشاركة فى المظاهرات التى يشهدها ميدان «تقسيم»، وأضاف: «المواطنون لهم حق التظاهر، ونحن كحكومة لدينا مسؤولية حماية المظاهرات السلمية»، وخاطب من يطالب الشرطة بالانسحاب بقوله: «ليس من مهمة الشرطة أن تحمى مكتب رئيس الوزراء، سنقف صامدين للدفاع عن مؤسسات الدولة»، وأضاف: «سنتدارك الوضع ونمشى إلى المستقبل، ولا أرد على (الطناجر) و(الصحون)»، حسب وصفه، ورأى أن المحتجين لا يعبرون إلا عن مجموعات هامشية مدفوعة من الخارج.
وتصاعد الاحتجاجات الشعبية تزامن مع تبادل لإطلاق النار بين متمردين من حزب العمال الكردستانى وجنود أتراك «أمس الإثنين» كما أعلنت هيئة أركان الجيش التركى. وهذا الحادث هو الأول منذ إعلان زعيم حزب العمال الكردستانى المسجون عبدالله أوجلان وقف إطلاق النار فى ٢٠ مارس، فى إطار عملية تهدف إلى إنهاء نزاع أوقع أكثر من ٤٠ ألف قتيل منذ ١٩٨٤.
فى الوقت نفسه أعلن الجيش التركى أنه رد بإطلاق النار بعدما سقطت أعيرة نارية من الجانب السورى على الحدود على حافلة عسكرية، أثناء دورية فى محافظة هاطاى جنوب تركيا أمس الأحد، وذكرت القوات المسلحة التركية أن ما يتراوح بين ٨ و١٠ مسلحين أطلقوا عدة زخات من الذخيرة بأسلحة خفيفة على حافلة عسكرية بالقرب من الحدود السورية التركية. وأوضح البيان أن الحافلة العسكرية التركية لم تصب بأذى، مضيفاً أن الجيش رد بإطلاق النار بينما فر المهاجمون وتراجعوا إلى داخل الأراضى السورية.