حين كان آلاف المعتقلين من الجماعات الإسلامية فى سجون مبارك يتعرضون للقمع والتعذيب وسلب حرياتهم دون محاكمات، كانت الأغلبية الصامتة تصمت عما يجرى لهم وفيهم ومعهم، ولم ينطق من الأغلبية الصامتة أحد دفاعا عن حق هؤلاء وتضامنا مع آلاف العائلات من أمهات وزوجات وبنات وأولاد المعتقلين.وحدهم فقط نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية التى يديرها اليساريون والليبراليون هى التى كانت ترفع صوتها (سأعتذر كثيرا عن أننى سأسمح لنفسى بالتجاوز وأن أذكّر بموقفنا كصحفيين معارضين لمبارك من دعم وتضامن ودفاع عن هؤلاء المعتقلين وتذكير يومى بأوضاعهم المأساوية وفضح ما يتعرضون له من انتهاكات)، بينما كانت الأغلبية الصامتة خرساء تماما، لا سمعنا منهم حسا ولا خبرا ضد ممارسات نظام مبارك مع هؤلاء، لعل البعض يتذكر من أقام الدنيا وأقعدها لقتل الشهيد الشاب السلفى سيد بلال فى الإسكندرية بيد طغاة أمن الدولة (قبيل أسابيع من اندلاع ثورة يناير المكلومة بمجلسها العسكرى!)، ألم يكن النشطاء أنفسهم والحقوقيون الليبراليون واليساريون، بينما لم يرفع أحد من الحركة السلفية صوتا لمعارضة هذه الجريمة!ثم عندما كان الإخوان المسلمون يتعرضون للاعتقالات والمطاردات والمحاكمات العسكرية ومصادرة الأموال والشركات من مباحث أمن الدولة ونظام مبارك، وعندما كانت الانتخابات يتم تزويرها لإسقاطهم بمنتهى الصفاقة، وحين كانت حملات الهجوم الإعلامية الضارية والمبتذلة من إعلام مبارك تتوجه ضد كل من هو إخوانى، مَن الذى كان يدافع عن هؤلاء المضطهدين الملاحقين؟ لم تكن قطعا الأغلبية الصامتة التعسة التى سلمت نفسها إلى مبارك وزبانيته، بل كان هؤلاء النشطاء والحقوقيون والكتاب الليبراليون الذين وقفوا حائطا صلدا صلبا للدفاع عن هؤلاء، وكانت أجهزة مبارك تتهمنا ساعتها بأننا إخوان أو نتلقى منهم أموالا وتمويلا!إذن لماذا تبدو الآن الجماعة الإسلامية والسلفيون أكثر بغضا وأكثر عدوانا وعدوانية ضد هؤلاء النشطاء والليبراليين؟ولماذا يتحول بعض هؤلاء المحسوبين على الجماعة الإسلامية والسلفيين إلى آلة حمقاء بلا ضمير وبلا ذرة من نخوة تتهم هؤلاء النشطاء والحقوقيين بكل الموبقات السافلة؟!لماذا يفتقد عدد لافت من المنتمين إلى هذه الحركات، أى نخوة أو شهامة أو مسحة من تدين تفرض عليهم التضامن مع المضطهدين والمطاردين الذين يتعرضون لصلف وعسف السلطة؟لماذا ينتمون إلى جاهلية أبى لهب وامرأته حمالة الحطب، ولا نجد فيهم شيئا من جاهلية أهل مكة حين شاركوا فى فك الحصار عن شعب ابن أبى طالب حين حوصروا فى أرزاقهم وقوتهم (لاحظ أننا لم نقل شيئا عن الانتماء إلى الإسلام)؟حتى نصرة ونجدة المستضعف وإغاثة الضعيف لا تجد لها صدى عند هذه اللحى المفرطة فى التحدث باسم الإسلام!ربما نكران الجميل ورد المعروف بالإساءة هو السمة البارزة عند هذه الطائفة من المنتسبين إلى الحركة الإسلامية الذين لا يتورعون عن قذف المحصنات ورمى التهم المقذعة التى تستحق فى الشريعة جلدا لهم عقابا على ما اقترفوه من إثم. هؤلاء هم السلفيون المفلسون الذين سيأخذ الله من حسناتهم لهؤلاء النشطاء والحقوقيين وتلك النساء والبنات ولا يبقى لهؤلاء المفلسين إلا سيئاتهم ترهقهم ذلة!وهنيئا للمجلس العسكرى، حليفته الجميلة الجماعة الإسلامية وشيوخها وإرهابييها السابقين الذين أحلوا دماء المسلمين، الذين يحييهم الجنرالات مدحا وشكرا على حسن تعاونهم، وهنيئا للواءات الروينى وبدين والفنجرى وشاهين وعتمان وكاطو، محبة الأغلبية الصامتة التى صمتت على الذل والهوان والسرقة والنهب طول عمرها، إنها الأغلبية الصامتة التى لا تكتفى بصمتها، بل تكره كل متكلم ناطق!! هنيئا للمجلس العسكرى، عشق أرامل مبارك وأيتامه فى العباسية ومصطفى محمود، حيث نعم المولى ونعم النصير!فقط يبقى موقف الإخوان المسلمين مثيرا للاستغراب والتعجب والشفقة معا، هذه الجماعة هى أدرى الناس بما كان يفعله النشطاء والحقوقيون والليبراليون من تضامن معهم فى عز الاضطهاد والتعذيب والاعتقالات والمحاكمات، وهى أعلم الناس بوقفة هؤلاء النشطاء والحقوقيين وشباب القوى الاحتجاجية وشاباتها معهم (ومعا) فى ميدان التحرير لمواجهة الموت فداء للوطن وإسقاطا لنظام مبارك، فإذا بموقف، بل بمواقف، الإخوان ساعة العسرة فى منتهى الخذلان والتخاذل.. لا حول الله يا رب، وهل الأغلبية (المضمونة بالمناسبة) فى البرلمان سوف تعطل ضميركم؟ ومتى كانت التجارة مع الله متاجرة بحقوق المضطهدين؟!
المصدر: التحرير