ليتفرغ الشباب لما يجيدونه..
ولما عرفوه وخَبَروه ونجحوا فيه وصمموا عليه..
أن يثوروا ويكملوا ثورتهم..
أما السياسة فهى بعيدة عنهم بقدر ما هم بعيدون عنها.
الثورة شىء والسياسة شىء آخر، الأولى تحلم والثانية تتعامل مع واقع، الأولى تحلِّق والثانية تمشى على الأرض، الأولى تنطلق من قيم والثانية تنطلق من مصالح.
لهذا سيفشل الشباب الثورى لو دخلوا الانتخابات، ويفشلون الآن وهم فى عالم السياسة إلا بعضهم القليل الذى يتمتع بذكاء سياسى يؤهله لمكانة فى هذا العالم، لكن معظم الشبان المحسوبين على قوى الثورة فى حالة من التواضع السياسى تناسب حالة الطموح الثورى التى يعيشونها حقًّا وصدقًا.
يناير هو موسم هذا الجيل.. موسم زرعه وحصاده.. نجاحه وبراعته وقوته وقدرته..
جيل ثورة لم تكتمل، لأنه لا عِرف يكمِّل المشوار ثائرا ولا استطاع أن يدخل السياسة خبيرًا.
إن الانتخابات هى أكثر وسائل السياسة واقعية وعملية ومناورة ومراوغة ولفًّا ودورانًا، وانتهازية إن لزم الأمر، وحتى الآن لم نشهد أى انتخابات على كوكب الأرض تتم إدارتها بأخلاقيات ملائكة فى سماء الكوكب.
جمهور الثائرين غير جمهور الناخبين، الأول غاضب والثانى شاكٌّ، جمهور الثورة يشارك معك، وجمهور الانتخابات يحكم عليك. جمهور الثورة يريد أن يسمعك أما جمهور الانتخابات فيطالب بأن تسمعه. جمهور الثورة يمشى وراء الأهداف، وجمهور الانتخابات يمشى وراء الوعود!
إن التحالفات فى الانتخابات مع خصومك فى الأفكار والمتناقضين معك فى الأهداف، بل وحتى «كارهيك وكارههم شخصيا» موضوع طبيعى جدا من الصعب استنكاره.
الثوار غالبا يفشلون فى الانتخابات، لأنهم يتخيلون أن الثورة لا تحتاج إلى تصويت ولا يمكن أن تلجأ إلى تنازلات، وأن مناقشة جدوى وأهداف ونجاح الثورة عدوان عليها، ولهذا لم نعرف ثوارًا ذهبوا يومًا إلى صناديق الانتخابات، بل هناك عداء جينىّ بين الثورة -فى مراحلها الأولى على الأقل- والانتخابات، والنموذج الأوضح لنا هو ما جرى فى ثورة 1919، فقد عارض سعد زغلول تحويل «الوفد» إلى حزب، ثم عارض صياغة دستور 1923، ثم عارض دخول الانتخابات، وتصرَّف فى كل هذا كثائر، لكنه حين تحدد موعد الانتخابات دخل كحزب وكسب كمرشح، وكان ذلك بعد نحو خمس سنوات من الثورة!
إن الثورة زيت، والسياسة (وفى قلبها الانتخابات) ماء، من هنا تبدو أهمية أن يدرك المؤمنون بثورة يناير أنهم ملزَمون إما باستخدام أدوات السياسة والانتخابات للدفاع عن قيم وأهداف ثورتهم، ولكنهم سيخسرون ساعتها الثورة لأنها يخسرون فى السياسة، وإما أن يكملوا رحلة الثورة حتى ترسو على برٍّ وتحقق أهدافها ثم يتم تسليمها للسياسة والسياسيين.
مشهد مصر بعد عامين من الثورة لا هى ثارت ونجحت ولا هى تسيَّست فأفلحت.
لا درس تعلمناه منذ 25 يناير 2011 إلا هذا الدرس الوحيد:
اللى عايز الثورة تنجح.. يثور.