الثلاثاء، 21 فبراير 2012

تيار الاسلام السياسى بين مصر و تركيا ..


بقلم/ د. ربيع البرقي

تعتبر تجربة الإسلام السياسى فى تركيا من اكثر التجارب نجاحا سواء على المستوى السياسى أو المستوى الإقتصادى و تحاول بعض التيارات فى عالمنا العربى و بخاصة فى مصر أن تصدر للناس ما مفاده أن تيار الإسلام السياسى الصاعد فى هذه البلدان هو النسخة العربية من العدالة و التنمية فاتخذت العديد من هذه التيارات أسماءا لأحزابها تتشابة و أحيانا تماثل اسم العدالة و التنمية فى تركيا فنجد الحزب المتصدر ذو الطابع الإسلامى فى المغرب اسمه " العدالة و التنمية " بينما اختارت جماعة الإخوان المسلمون فى مصر اسم الحرية و العدالة لحزبها .

فى هذه المقالة سألقى الضوء على تيار الإسلام السياسى بين مصر و تركيا و الفارق بينهما ....

1 - لعل اهم ما يميز تيار الاسلام السياسى فى تركيا هو صعوده على مدار اجيال ثلاثة راكمت لديه خبرة سياسية و حزبية كبيرة استطاع أن يتدرج فيها من خلال أجنحة فى أحزاب ثم أحزاب مستقلة فى تجربة اولى باءت بالفشل ثم نضوج التجربة على يد اردوجان ورفاقه وكان جزءاً من اسباب النجاح لهذه التجربة هى حرص اردوجان على التأكيد على المفهوم السياسى للحزب و ليس الاسلامى و رفضه وصف حزب العدالة و التنمية بالاسلامى حتى يظل دوما حزباً تركيا للجميع و حتى لا يدخل فى نوع من الاستقطاب ويمكن القول بأن تيار الاسلام السياسى التركى عمل على دخول السياسة من خلال الواقع التركى القائم على العلمانية حتى لا يتصادم مع القوى العلمانية فى الجيش و الشارع وحتى عندما حاول اربكان ان يصبغ المجتمع التركى المتأصل بالعلمانية بصبغة دينية بآءت تجربته بالفشل وكل هذا كان نابعاً من فكرة الاتراك القائمة على ان الدولة هى الكيان الام فيها فتركيا لديهم هى لكل الاتراك بغض النظر عن الدين او العِرق ......

أما فى مصر : فتيار الاسلام السياسى يريد ان ياتى على الحياة السياسية من قمتها فهم ويحاولوا صبغ المجتمع بفكرتهم فرفضوا منذ البداية الدخول فى احزاب و ظلوا على تفردهم حتى فى عز نضوج الحياة الحزبية فى مصر فى الفترة من 23 الى 52 فيما يعرف بالحقبة الليبرالية ( على عكس تجربة النقشبنديين فى تركيا ) فلو استطاعوا ذلك لمثل هذا لهم خبرة سياسية وحزبية كبيرة مكنتهم اليوم من كيفية التفاعل مع السياسيين الاخرين و لكانت ازالت بعض الهواجس من الاسلاميين على اساس انهم لهم تجربة حزبية سابقة لكن الحاصل الان ان الكل لا يعرف ماهية العمل الحزبى لدى هؤلاء الاسلاميين فلم يكن لهم تجاربهم السابقة , صحيح ان النظام القائم فى مصر منذ عام 52 لم يسمح لهم بذلك و لكن السؤال ألم تكن جماعة الاخوان موجودة منذ عام 28 ولماذا رفضت فكرة الحزب وهو الطريقة المثلى للعمل السياسى رغم انها شاركت فى الحياة السياسية فى فترة ما قبل ثورة 52


2 – ان التعددية العرقية و التاريخ الطويل لدولة الخلافة فى تركيا رسخ لدى الاتراك مبدأين هامين هما قداسة فكرة الدولة و ان الكل يعمل من خلالها بأفكاره و كذلك فكرة الاختلاف فى الرأى نتيجة التنوع العرقى لديهم وان كل هذا يدور فى فكرة الدولة القائمة فلا احد مهما كانت توجهاته يريد القفز على مبادئ الدولة , هذا بالاضافة الى قرب تركيا من اوروبا وما فيها من رقى فى الاختلاف كل هذا جعل الاتراك اكثر قدرة على الاختلاف دون تخوين للأسلاميين او تكفير للعلمانيين ..

أما فى مصر فالاختلاف الفكرى يكاد يكون منعدما فمن ليس معى فهو ضدى و هذا راجع الى السياسة الاقصائية التى مارسها النظام السابق فى حق المصريين عامة و الاسلاميين بصفة خاصة ولًد لديهم فكرةاقصائية جعلتهم يرون انهم مستهدفييين من الاخرين مما جعلهم يتعاملون مع الجميع بريبة , والحقيقة ان هذا الامر و خاصة فى هذه الظروف التى نعيشها يستوى فيه المصريون كلهم من اقصى اليمين الى اقصى اليسار , كذلك فأن وجود مصر فى وسط المحيط العربى و بخاصة قربها من دول الخليج العربى و التى يقوم نظام الحكم فى اغلبها على الملكيات او الامارات و بكل ما نتطوى عليه هذه الانظمة من ديكتاتورية و غياب للديمقراطية و ما يستتبعها من غياب لديمقراطية الخلاف جعل المصريون يفتقدون لحس الرقى عند الاختلاف .....

3 – الدستور التركى القائم جعل من الجيش حارسا على العلمانية ومبادئ الدولة التركية مما جعل من الجيش خصما قويا لاى حزب سياسى يفكر فى الانقلاب على المبادئ الكمالية و هذا ورغم تصادمه مع الديمقراطية ايضا الا انه جعل التغير فى الواقع السياسى التركى مهمة صعبة تقترب من الاستحالة وحتى مع مجئ العدالة و التنمية فان الحزب دأب عن الابتعاد عن النقاط الساخنة فى صراعاته مع الجيش و حاول بقدر الامكان اللعب بسياسة مع جنرلات الجيش من خلال خلق داعم قوى له فى الشارع من خلال رجال الاقتصاد الذين شاهدوا التطور الذى طرأ على الدولة التركية بعد صعود العدالة و التنيمة ولكن بقيت فكرة ان الجيش هو حارس العلمانية هذه الداعم القوى ضد انجراف الدولة التركية نحو تغير كلى فى الصياغة لشكل الدولة وتحولها من علمانيتها الفجة الى علمانية طفيفة اقرب الى العلمانية الليبرالية بصعود العدالة و التنمية...