لا أتذكر من الذى قال لى هذا التعبير: «عملنا ثورنا شبهنا». وكان يقصد فيما أعتقد أن فيها مساحة من الارتجال والتردد والعشوائية التى تشبه قطاعا من المصريين. والحقيقة أن الأصل فى الأمور أن هذه الارتجالية معهودة فى كل الدول التى تتحول من نظام حكم إلى نظام حكم آخر ولنتذكر ما شهدته مصر فى أول سنتين بعد حكم الرئيس السادات لمصر وحربه على ما سماه «مراكز القوى».
لكن حقيقة مررنا فى الفترة الماضية بما يؤكد أن هناك كما كبيرا من الافتراضات مع غياب الكثير من المعلومات التى تجعلنا نتبنى مواقف تبدو لنا منطقية ولكن نكتشف لاحقا أنها لم تكن اختيارات موفقة.
وقد أثرت من قبل الطريقة التى نتخذ بها قراراتنا سواء على المستوى الشعبى أو الرسمى، وكأنها صفة مصرية لصيقة بنا كمصريين بغض النظر عن مواقعنا. مثلا حين يختار أحدنا من يمثله فى البرلمان أو فى الرئاسة فهو عادة يختار بين ثلاثة أنواع من القيادات الفعالة، وما دام اختار فقد ضحى. هناك أولا القيادة المحافظة التى تسعى للعمل فى حدود ما هو سابق عليها من قيم وأفكار ولوائح وقوانين. ولو كان لها أن تغير فى أى من ذلك، فهى تغير مضطرة أو فى الحدود الدنيا. ومنطق هؤلاء أن التغيير له تكلفة عالية وقد يؤدى إلى نتائج جانبية غير محسوبة أو متوقعة.
نقيض هذه النوعية من القيادات هى القيادات الراديكالية (أى الثورية) التى لها رؤية رافضة تماما للوضع الراهن وراغبة فى تغييره جذريا بمنطق هدم البيت وإعادة بنائه من البداية على أسس جديدة وبتخطيط مختلف. ومنطق هؤلاء أن التغيير البطىء على مدى زمنى طويل لن يفيد، ما يفيد هو العلاج بالصدمات المفاجئة، سيقاومها من يقاومها لكن فى النهاية سيتكيف الناس معها.
ثالثا، وكالعادة بين طرفى النقيض، هناك اجتهادات إصلاحية تسعى للجمع بين الرؤية المحافظة والرؤية الثورية. قد يكون لهؤلاء روح ثورية وراديكالية فى الأهداف، ولكنها محافظة وبطيئة فى التنفيذ. ومعظم المفكرين يميلون إلى هذه المدرسة على افتراض أن الإصلاح يتم فى ثقافة وبيئة وإطار مؤسسى (مثل نظام الحكم وعلاقات القوة فى المجتمع) تتشكل نتيجة تراكم تاريخى معين وأى إصلاح لا بد أن يكون من خلال هذه الأطر الثقافية والبيئية والمؤسسية حتى لا يكون إصلاحا مرتبطا بشخص المصلح وينتهى باختفائه من المشهد السياسي.
من قام بثورة ويريد أن تحكمه حكومة ثورية، لن يختار ثلاثة أسماء لم تكن محسوبة على القوى المعارضة التى فى الأصل دعت للثورة أو أيدتها من أول يوم، مع احترامنا للجميع، ثم تتصاعد الاحتجاجات الآن بمنطق: «إيه ده، دول ما طلعوش ثوريين». لا تعليق عندى سوى أننا عملنا ثورة تُشبهنا.
والأمر ليس بعيدا عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى نظم استفتاء وأنتج نتيجة واضحة بخطوات محددة وفى ترتيب زمنى محدد، وبعد أن أقر به وأعلن احترامه لخطواته لكنه يدير عملية التحول وكأن من قالوا «نعم» قصدوا أن يقولوا «لا لكنهم مش واخدين بالهم».
قال إنه يريد أن يترك السلطة فى أسرع وقت، ثم يماطل متخذا من ذريعة رغبته فى استعداد الشباب للانتخابات حتى لا تسلم البلاد إلى فصيل بذاته. ولا هو ترك السلطة ولا الشباب استعدوا. ثم يعلن عن رفضه لقانون الغدر ثم يخرج علينا قانون جديد وجوده مثل عدمه لاستحالة تطبيقه قبل الانتخابات. وهكذا.
ومثال أخير، قوى سياسية تعلن عن رغبتها فى أن تكون الانتخابات كلها بالقوائم مع ما لهذه القوائم من مشاكل ترتبط بترتيب القائمة، ثم تعانى الأمرين الآن لدرجة أن بعض المنافحين عن الانتخابات بالقوائم نزلوا بالفعل كمرشحين فى مقاعد الفردى لا تعليق عندى سوى أنها «ثورتنا تشبهنا.» والقضية فكرية كما هى سياسية، أو هذا ما أزعم.