الخميس، 20 أكتوبر 2011

الساجدون لغير الله في الخلاء - صلاح بديوي


بقلم / صلاح بديوي

من ميزات ثورة 25ينايرالمجيدة أنها كشفت كائنات بشرية حية، تغلغلت ونمت كالفطر بمؤسسات الدولة المصرية الخاصة والعامة، وقد باتت تلك الكائنات المشار إليها عارية أمامنا، ومجردة في عيوننا، من أي حياء أو خجل أو قيمة أوفضيلة.

من هذه الكائنات، من نتابعهم يوميا، عبر كتاباتهم بالصحف وبرامجهم بالفضائيات، وسنتوقف قليلا أمام واحدا منهم "صاحب فضائية الآن" تعرفنا عليه في أواخر عام 1999م، ووقتها كنا نحاكم مع رفاقنا بتهمة مهاجمة التطبيع مع "إسرائيل"، وذلك بعد أن قاضانا نائب رئيس الوزراء -المحبوس حاليا بتهمة سرطنة الناس- دكتور يوسف والي.

وكانت الدائرة القضائية التي نحاكم أمامها هي دائرة المستشار عادل عبد السلام جمعة بمحكمة جنوب القاهرة، وفوجئت مع رفاقي "بصحيفة الشعب" خلال نظر القضية ونحن في قفص الاتهام  بصاحب الفضائية المشار لسيادته يقود تظاهرة من شباب الحزب الوطني تهتف باسم مبارك ويوسف والي، وتطالب بإغلاق جريدة "الشعب" التي كنا نعمل بها، وتطالب أيضا بإغلاق حزب العمل.

وبعد ذلك بأيام، قضت المحكمة بحبسنا عامين، وتغريمنا ظلما - كما هو معروف - فيما اصطلح على تسميته وقتها بقضية "المبيدات المسرطنة"، وخير دليل على أن الظلم طالنا، أن الدكتور يوسف والي مسجون حالياً بنفس التهمة التي تمت محاكمتنا جراء توجيهنا إياها  ليوسف والي.

المهم ، أنه بينما كنا نقضي كصحفيين بجريدة الشعب "العبد لله ،ومجدي حسين،وعصام حنفي" عقوبة الحبس بسجن مزرعة طرة، علمت أن الدكتور يوسف والي منح صاحب الفضائية إياه أربعة آلاف فدان من الأراضي لاستزراعها في منطقة الحزام الأخضر بـ6 أكتوبر.

منح والي "صاحب الفضائية إياه" الأرض بثمن مائتي جنيه للفدان، وكان يقدر ثمنه بعشرين ألف جنيه وقتها، وعندما تم منحه تلك القطعة الشاسعة من الأراضي، كان صاحب الفضائية -وقتها- مجرد مذيع صغير بالتليفزيون المصري، لا يملك إلا الستر، بيد أن حياته جراء عطيَّة يوسف والي تبدلت وتغيرت، حيث أسس جمعية لاستثمار تلك الأراضي ووزع منها مئات الأفدنة على الإعلاميين والصحفيين؛ لتحسين صورة يوسف والي.

وعندما قضينا العقوبة وخرجنا من السجن، كنت أسير بشارع رمسيس، وفجأة توقفت سيارة "مرسيدس" سوداء فاخرة إلى جواري، وترجل منها ودنى من شخصي الضعيف شاب، وهمَّ بمصافحتي، قائلا لي حمداً لله على السلامة، طبعا على  خروجي من الحبس، وكان هذا الشاب المشار إليه "صاحب الفضائية إياها"، لكن وقتها لم يكن أسس الفضائية بعد.

تمر السنون، والعبد لله الذي يتشرف بالكتابة إليكم، محاصر في منزله، ممنوع عليه الاقتراب من أية صحيفة، أو وسيلة إعلامية؛ لأن "أمن الدولة" أيام الرئيس المتنحي حسني مبارك كانت تعين كل رؤساء التحرير والمسئولين عن الوسائل الإعلامية، وبالتالي تحظر عليهم أن يتعاملوا مع أمثالي.

نقول تمر تلك السنون وفجأة يطل علينا صاحب الفضائية من على شاشتها كل مساء، وهو يسبح بحمد "سلسل الفراعين" حسني مبارك، وبحمد نجليه "جمال وعلاء"، ولا ينسى طبعا  الهانم والدتهما السيدة سوزان، وفوق البيعة يسبح بحمد مباحث "أمن الدولة" وقائدها اللواء حسن عبد الرحمن.

وهكذا ظل صاحب الفضائية يسجد لغير الله في الخلاء، ويتباهى بزياراته المتكررة لـ"إسرائيل"، ضمن الوفود الشبابية التي كان يرسلها الدكتور يوسف والي، والتي كان يقودها شريف والي -المحبوس حاليا بموقعة الجمل- وهو من أبرز المقربين لجمال مبارك.

وهكذا استمر صاحب الفضائية في مسيرة علوه، وفي سبيل الوصول لما يريد فعل كل شيء، وتناقل شبابنا على الفيس بوك له صورا وهو يقبل أيادي صفوت الشريف، وبعدها نفاجأ بصاحب الفضائية عضوا بآخر مجلس شعب تم تزويره عن الحزب الوطني. 
    
وبمجرد أن تفجرت ثورة 25يناير المجيدة، وفي إحدي الليالي، تصفحت الصحف، ومررت سريعاً على  مقالات كتاب ورؤساء تحرير، كانوا قبيل أيام مضت يسبحون بحمد مبارك وجمال وسوزان هانم، ويكاد الكاتب يلعق أحذيتهم، بيد أنني أذهلني تحولهم من النقيض إلى النقيض.

فوجئت بسُباب وشتائم، ضد كل ما يمت لمبارك وعصره ورجاله، وفوجئت بامتطاء لصهوة الثورة، وانتقلت إلى برامج "التوك شوو" فهآلني تحول مقدميها من النقيض إلى النقيض، لأن جميعهم يعقرون مبارك ويعضون أياديه البيضاء عليهم، ويسبونه ليل نهار مع ضيوفهم من الكتاب والمثقفين ورجال الأعمال الذين كانوا خدما في بلاط مبارك وأسرته.

جلهم استأسدوا على الرجل وأهله، الرئيس المتنحي وأسرته ورجاله، الذين انتهى سلطانهم، وزالت نعمتهم وباتوا في أيدي العدالة والتاريخ.

لكن استوقفني بشكل خاص برنامج "صاحب الفضائية إياه"، المليء بأبشع الألفاظ والسباب ضد صفوت الشريف، الذي كان يقبل أياديه على  الملأ، وضد مبارك الذي كان يسبح بحمده، وضد نجله جمال الذي طالما لعق حذاءه.

كما وجدت صاحب الفضائية يتوجه ببوصلته للمجلس العسكري، ويواصل وصلات نفاقه لكل عضو فيه تلك الوصلات التي فعلها مع الرئيس المتنحي وأسرته من قبل، يفعلها بدون أدني نوع من الحياة أو الخجل، وهو يراهن على  نسيان الرأي العام، والعوام لما قاله من قبل أيام مبارك.

وللأسف، والعبد لله يسجل ذلك، لا يعنيه اسم صاحب الفضائية لكون أنه صغير في كل شيء، إنما يعنيه المبدأ والعبرة، وتحذير ولاة الأمور، تحذيرهم من خطورة تلك الكائنات الحية.

نحن إذ نسجل ذلك نعتب على  بعض الساسة والخبراء في الاستراتيجية، أولئك الذين تستغويهم الكاميرات ويتوجهون إلى صاحب هذه القناة لمجرد أن يظهروا على  شاشتها، إنها الذاتية التي تنسي المرء مبادئه، وتنسيه قيمه، وتنسيه من باعوا وطنهم مقابل مصالح شخصية، وبدلا من أن يلقن هؤلاء المتهالكين على الفضائية صاحبها درسا في حب الوطن والمبادئ، نجدهم ينهارون أمام صاحب الفضائية ويذهبون إليه صاغرين.

وخلاصة القول، إنني أحترم كل إنسان تصدى لحكم مبارك بشكل استراتيجي، ولسياساته بشكل جذري وهو في السلطة، وأحترم استمرار رؤية هذا الإنسان بعد سقوط حكم مبارك ومثوله الآن أمام العدالة، لكن لن أحترم أبدا المطرب الذي غنى لمبارك ونافقه وهتف باسمه، ثم فعل العكس بعد سقوطه.

ولا أحترم أبدا الكاتب أو رسام الكاريكاتير الذي مجد مبارك، وانتقى أحلى الكلمات في عيد ميلاده، وبمجرد سقوطه عقره كالكلب المسعور، وهال عليه التراب، ولن أحترم مقدم البرامج أو صاحب الفضائية الذي كان يسبح بحمد مبارك، وبمجرد تنحيه عن السلطة، أخرج لسانه له وانهال فيه سبابا.
مع العلم أن غالبية من عارضوا مبارك وهو في الحكم، يلتزمون الصمت الآن، ويراقبون المشهد ،بعيداً عن الأضواء، أما من نافقوا مبارك، هؤلاء الساجدون لغير الله في الخلاء، فالآن يتطوعون بتقديم قرابينهم لأي إنسان آخر يتصورون أنه في طريقه ليتصدر المشهد السياسي في بلادنا.