الخميس، 26 يناير 2012

الجيش جيشنا

نوارة نجم
ونعود لنكرر: يسقط يسقط حكم الأهطل.
اعتزازى بوطنى مصر يطابق اعتزازى بذاتى كإنسان. أنا لست أَمَة أحد إلا الله، لست متسولة، لست ذليلة، لا أرضى بقليلى، ولا أشعر بأن «الشعرة من دقن الخنزير مكسب» كما يُقال فى المثل المصرى.
هذا ما أشعر به حيال وطنى مصر. لا أبحث لها عن بدائل، ولا أرضى لها بمواءمات، ولا أقبل لها بحلول وسط… مصر ست الكل.
يستحق وطنى مصر أن يكون أرفع الأوطان شأنا.
يستحق وطنى مصر أن يكون فى مقدمة الأمم.
يستحق وطنى مصر أن يكون قوة عظمى.
يستحق وطنى مصر أن يتبعه الناس ولا يتبع هو أحدا.
يستحق وطنى مصر أن يعطى معونة للإنسانية وأن لا يمد يده للتسول من أحد.
أقول ذلك لا بدافع الشوفينية، ولا من منطلق الوطنية الجوفاء، لكننى أقولها لأننى أعرف مصر، وأعرف المصريين. حين كانت مصر سلة الغلال لم تلقِ بالقمح فى عُرض البحر لتحتفظ بسعره، بل قَرَت الضيف، وأطعمت الجائع، وحملت الكل. حين كانت مصر مركز العلوم لم تبِع علمها بأثمان باهظة، ولم تستخدمه فى القتل وسفك الدماء وإذلال الأمم، وإنما أشرقت على العالم بالبذل والعطاء. حين أسست مصر أول جيش نظامى، لم تقتل العزل، ولم تهتك الأعراض، وإنما ظلت تحافظ على حدودها وعزتها، وشهدت جيوش العدو لجيشها بالكرامة والإنسانية والأخلاق.
مصر طيبة، وكان المماليك يسمونها «أم الخير».
ثم اتوكست مصر.. اتوكست وكسة سودا.. الوكسة ليس فى كونها دولة منهوبة من العالم الثالث تتبع قوة استعمارية لا أخلاقية باطشة وتتسول منها المعونة فقط، وإنما تكمن الوكسة فى أن هناك من يسعى حثيثا لتحويل مصر من «طيّبة» إلى مهطولة ومنحطّة فى آن واحد.
مصر لا تستحق أن تعرَّى نساؤها ويخرج من هم محسوبون على أبنائها ليرددوا كلاما لا يليق بتاريخها الأخلاقى، الذى هو أهم وأنصع وأبقى من تاريخها العلمى والحضارى، ونسمع حديثا منحطا عن العباية أم كباسين، والكتاب الذى هو أهم من شرف المرأة، والتساؤل: هى إيه اللى نزّلها؟ ثم يعود نفس الأشخاص ليرددوا العبارة الممجوجة: منكم لله خربتوا البلد! وأى خراب أفدح من الخراب الأخلاقى الذى يحوّل الناس إلى مجموعة من القوّادين والمنظّرين للطغيان والهتك والحقارة؟ أى مصاب أكبر من وقوف عنصر ينتمى إلى أقدم جيش نظامى ليتبول على الناس؟ لم يفعلها أجداده فى العدو وفعلها هو فى بنى وطنه… إتفو.
لا.. أنا لا أريد أن يسقط حكم العسكر.. لإننا ليس لدينا عسكر. أنا أريد عسكرا فى البداية، عسكر.. رجالة يعنى، لا حثالة تعرِّى النساء وتسحلهن وتتبول على أبناء الوطن. لا أريد للعسكر أن يحكم، لكن أريد عسكرا يحمى الوطن، لا ينشغل بصناعة الحلل، وبيع زجاجات زيت الزيتون، وتقديم الشربات والجاتوهات فى صالات الأفراح… حقه لو جنّدوا الستات وشغلوهم رقاصات فى صالات الأفراح بتاعتهم، عسكر ده ولا مكتب مخدّم؟ مش ناقص غير يفتحوا بيوتى سنتر وحمّام تلات، حيث يقضى المجند مدة خدمته فى تكييس الزبائن.
نحن لا نُحكم بعسكر أيها الإخوة المواطنون، نحن نحكم بمجموعة يسلحها العدو بماله وعتاده، ويغدق عليها من أموالنا، ويا ريتهم عارفين يبقوا مجموعة مسلحة تشرّف، ما عاش ولا كان اللى يعمل فى مصر كده.
لا يليق بشباب مصر الباسل، الشهم، الإنسان، الشجاع أن يذهب للتجنيد ليجد نفسه خادما للضباط وزوجاتهن بملابس ميرى.
لا يليق بشباب مصر أن يزحف على بطنه حين يخالف التعليمات فى أثناء فترة تجنيده، عمى فى عينيكم.. ولادنا يزحفوا على بطنهم؟
لا يليق بمصر أن تتسول السلاح من العدو. لا يليق بجيش مصر أن يقوده مجموعة من رجال الأعمال المنشغلين دوما بصفقات السلاح والسطو على الأراضى وممتلكات الدولة وتكديس المليارات. جيش مصر لا يقوده إلا من يحمل روحه على كفه، وعناصر الجيش المصرى لا تهان ولا تذل ليتم تدريبها على إهانة وإذلال بنى جلدتها، العسكرى المهان لا يموت فى سبيل أرض لا يملكها وقائد يَسُومه المذلّة، العسكرى المهان يشعر بفقد الرجولة، ويتملكه الجبن فلا يستعرض قوته إلا على النساء والعزل.. العسكرى المهان خائن للوطن.
أنا أريد جيشا قويا، كريما، عزيزا، أخلاقيا.. مش بلانة.