السبت، 28 يناير 2012

"ثورة مصر الضاحكة".. ساحرة وساخرة دامية ولاهية


"فقط في مصر تستطيع موسوعة جينيس أن تسجّل لقب أصغر متظاهر يقود ثورة".. هكذا عبّر تقرير أعدّته هيئة الإذاعة البريطانية BBC عن الثورة المصرية التي وصفتها في تقريرها بأنها "ثورة مصر المضحكة".

كليب مدته عشر دقائق عن ثورة مصر الضاحكة، وقد تخلّت فيها الـBBC عن حيادها المعهود، وامتدحت بشدّة ثورة مصر العظيمة، واصفة ما حدث بها أنه "يحدث فقط في مصر".

ليس غريبا على المصريين أن يصنعوا الدعابة حتى في الأزمات
"في مصر فقط تستطيع النكتة أن تكون بيانا ثوريا"؛ هكذا شرح ناصر فرغلي -مراسل BBC- الثورة المصرية والعبارات الضاحكة الباكية التي خرجها بها المصريون يثورون على حاكم جائر تجبّر في الأرض، ونال من خيراتها هو وأبناؤه فقط.

وليس غريبا على المصريين أن يصنعوا الدعابة حتى في الأزمات؛ حيث تفيد الدراسات التي اهتمّت بالتعمّق في سيكولوجية الشخصية المصرية بأنها عبارة عن مستودع بشري، أو ينبوع للألم والغضب والانفعال العميق، فضلا عن تمتّعهم بالذكاء المرتفع وسرعة البديهة التي تمكّنهم من المبادرة بـ"الإفيهات"؛ تعليقا على مختلف المواقف.

فكانت اليافطة الدعائية تحمل قدرا كبيرا من السخرية ممزوجة بالأسى؛ مثل هذا الشاب الذي كان يحمل يافطة كَتَب عليها "ارحل.. عايز أستحمى"، "ارحل الولية عايزة تولد.. والولد مش عايز يشوفك".

بينما كَتَب آخر: "ارحل بقى.. إيدي وجعتني" -ويقصد طبعا "وجعتني" من حمل اللافتة التي كَتَب عليها الشعار- أما اللافتة الأكثر فكاهة فهي لمتظاهر بدا بشعره الكبير؛ حيث يشبه الفنان أحمد مكي في فيلمه "H دبور"؛ يقول فيها: "هتمشي هتمشي.. إنجز عايز أروح أحلق".

ولم يقتصر الأمر على حمل اللافتات الضاحكة؛ ولكن مع بدء الاعتصام ونصب الخيام شعر كل مصري بأن لديه مكانا يحتمي فيه في هذا الوطن.. فأحدهم نصب خيمته وكتب عليها "فيلا السعادة".. وعندما تتجول قليلا في الميدان فتجد فكرة عبقرية صنعها أحد المتظاهرين؛ حيث رسم على لوحة كبيرة شهادة تخرج جعل فيها الرئيس محمد حسني مبارك طالبا متخرجا في مدرسة الجمهورية؛ ولكن الشهادة حملت أصفارا عديدة في: الصحة، والثقافة، والداخلية، والخارجية، والتعليم، والتجارة، والاقتصاد، والصناعة، والزراعة، وذيلت الشهادة بملاحظة أن الطالب راسب وليس له فرصة في الإعادة.

وبحسب تعبيرات تقرير الـBBC: "هناك ثورة مخملية، وهناك ثورات حمراء، وأخرى بيضاء، وهناك ثورة الياسمين، كان على الثورة وهي تمر في مصر أن تدرك أنها ستتغير إلى الأبد؛ فالمصريون علموا الثورة كيف تكون؛ ساحرة وساخرة.. دامية ولاهية.. موارة باللهب مقدودة من تعب ومن لعب.. محبة للحرية قدر حبها للحياة.. هل تريدون اسما لثورة مصر سموها "الثورة الضاحكة".

ولكن عقب مرور عام من عمر ثورة 25 يناير المجيدة ظلّ المصريون يتذكّرون صنعهم لحفل زار في الميدان وتساءل الثوار.. ما إذا كان تشبث مبارك حينها خارق للطبيعة؟! فصعنوا حفل زار ثوري لصرف الرئيس الملتصق، هاتفين "ارحل.. ارحل.. ارحل"، وزادوا بلافتة حملت تساؤلا من "رابطة نجاري مصر" عن نوع "الغراء" الذي يستخدمه الرئيس المخلوع، وظهرت صورة للرئيس يحمل لافتة كَتَب عليها الرئيس يريد تغيير الشعب، وكَتَبت فتاة على لافتة "باي مبارك.. موبايلات بقى"، وكَتَب متظاهر "مبارك.. طير أنت".

ولكن عبر مرور الثورة بمراحل صعبة الآن ومطبات تكاد تعصف بها؛ ظهرت بعض التعليقات يتوارى خلفها خفة الدم المصرية ومرارة المرحلة الثورية؛ فتجد الدكتور معتز عبد الفتاح يعلّق عما يحدث الآن؛ قائلا: "الجيل ده مش جيل اضرب المربوط يخاف السايب.. الجيل ده جيل اضرب المربوط هتلاقي السايب بيجيب حقه".

وتنهمر عليك التعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي الأشهر فيس بوك وتويتر؛ فتجد شخص يقول: "من يمارس السياسة في مصر يدخل السجن.. ومن يمتنع عنها يدخل الوزارة".

وتزداد المرارة كلما نظرنا على الثورات الأخرى، وأبرزها بالطبع الثورة التونسية؛ فتجد هذا التعليق: "زي اليومين دول السنة اللي فاتت كنّا بنتفرج على تونس وبنقول: يا رب.. دلوقتي لسه بنتفرّج على تونس وبنقول: يــااااااااااا رب".

ويخشى البعض إلى أن تنتهي ثورتنا إلى أن نقول: "الثورة التونسية البقاء للأصلح، الثورة الليبية البقاء للأقوى، الثورة المصرية البقاء لله".

والآن.. ونحن نحتفل بعام الثورة الأول.. ما زلنا نتساءل: مبارك زال لكن هل بقي عفريته.. فهل يحتاج إلى حفلة زار أخرى؟