كان الكل ينتظر ماذا سيحدث غدا؟ لكن الدكتور البرادعى نام مبكرا وبسرعة، ولم يقلق فى نومه.
صحا فى الصبح، وكنت أشعر أن هذا الهدوء قد لا يستمر طويلا وأنا أنتظره مع قهوتى فى مقعد مطل على الجنينة المشمسة فى هذا الصباح، تبادلنا الابتسام والعناق ونحن نستعد للخروج معا يوم 28 يناير إلى جمعة الغضب. لم نكن غاضبين إطلاقا. كان الدكتور البرادعى فى حالة هدوء نيرفانية تامة، وكنت أحكى له متفائلا عما جرى وعشته وشاركت فيه وشفته فى مظاهرات 25 يناير، وقد كان متبقيا لحظتها سبع ساعات لتصبح ثورة 25 يناير!
التجمعات والتنظيمات والمخططات والنشطاء والدعاة للتظاهر والقيادات والرموز كانوا يعملون لهذا اليوم المفصلى فى تاريخ مصر بين رجاء أن يكون جمعة غضب عاتية، وتخوف أن يكون الرجاء حلما، كانت التوقعات عظيمة لأن الثلاثاء ضخ دفقا من الأمل والتفاؤل، لكن التوقعات العظيمة باب الإحباطات العظيمة أيضا، فضلا عن التخوف المشروع من توحش نظام يجد نفسه أمام هذا التحدى المفاجئ والصادم.
كان عدد من المراسلين الأجانب قد انتظروا الدكتور البرادعى عند باب منزله، يفاجئك يناير عندما يأتى يومه دافئا ويسعدك عندما يأتى ساخنا حتى الرغبة فى التخفف من الملابس الشتوية، فأنت ذاهب إلى مظاهرة لا يعلم إلا الله متى تنتهى وإلا ما تنتهى هى وأنت معها. جلسنا معا فى السيارة فى الخلف، وكان على البرادعى شقيقه الأصغر بجوار السائق، خضنا شارع الهرم والدكتور البرادعى يعيد لى ما صرح به للمراسلين الذين يلاحقون سيارته، قال وظل يقول ولم يتوقف عن القول إن على هذا النظام أن يرحل.
هكذا من الدقائق الأولى بدت الرسالة واضحة فى حدتها وحادة فى وضوحها، لكنها مكررة على لسان الرجل الذى لم يكف لمدة عام عن قولها باللغات المختلفة. حكى كيف أن دوره فى الخارج لم يكن غيابا ولا تغيبا، بل إحياء للموضوع المصرى فى العالم كله، قلت له يا دكتور نحن فى جمعة غضب دعا لها كثيرون بينهم أعضاء حملتك وجمعيتك، وعليها بصمتك وصورتك، وصلنا إلى شارع مراد، حيث كانت الطرق سالكة وهادئة ولم يؤذن بعد لصلاة الجمعة، تلك الساعة الأخطر فى حياة مصر، الدعوات كلها ترتكز على الخروج من المساجد بعد انتهاء الصلاة. لا توجد اتصالات عبر الهواتف المحمولة ولا الإنترنت، عدنا إلى القرن التاسع عشر فى أربع وعشرين ساعة. العفوية والفطرة تنظم مسيرة الغضب إذن، لا توجد أى توجيهات ولا تعليمات ولا إرشادات إلى أين يذهب الغاضبون؟ الدعوة أن يغضبوا، والغاضبون يخرجون بلا مخططات ليتركوا الغضب يخطط لهم ويخطهم ويخط مسيرهم ومصيرهم، كان سؤالى لأعضاء حملة البرادعى بمجرد نزولنا من السيارة والتقائنا الوجوه النبيلة التى جاءت للتشارك فى الخروج من مسجد الاستقامة بميدان الجيزة الدكتور عبد الجليل مصطفى والدكتور محمد أبو الغار والدكتور أسامة الغزالى حرب وغيرهم، ماذا سنفعل بعد الخروج فى مظاهرة من المسجد؟
لا جواب لدى أحد، بالفعل لم يكن أحد يعرف، الغضب كان هدفا ووسيلة معا!
بدأنا مسيرة من بضعة عشرات متجهين نحو الميدان عبر شارع مراد قرابة خمسمئة متر، كنت أمسك بيد الدكتور البرادعى وسط حفاوة المحيطين وتدافعهم للتحلق حولنا وبدأت هتافات «الشعب يريد إسقاط النظام».. الهتاف الذى كان مطروحا ومتداولا ضمن هتافات غلبت وتغلبت عليه فى الثلاثاء الماضى، صار وحده وحيدا فى جمعة الغضب سيدا للمشهد فى بواكيره. بدأت تظهر حشود قوات الأمن المركزى المحيطة والمحاصرة للمسجد فى قلب الميدان. تقاربت والتصقت وتمنعت عن السماح بمرور المئات منا، كان قادة الشرطة وقيادات وزارة الداخلية مترددين فى منعنا أو السماح لنا ويبدو أن الأمر كان متروكا لهم فحيرهم اختيار القرار، سمحوا لنا بالعبور من فتحة كالكوة بين صفوفهم، كان أذان ظهر الجمعة قد صدح..
نكمل غدا بإذن الله..
صحا فى الصبح، وكنت أشعر أن هذا الهدوء قد لا يستمر طويلا وأنا أنتظره مع قهوتى فى مقعد مطل على الجنينة المشمسة فى هذا الصباح، تبادلنا الابتسام والعناق ونحن نستعد للخروج معا يوم 28 يناير إلى جمعة الغضب. لم نكن غاضبين إطلاقا. كان الدكتور البرادعى فى حالة هدوء نيرفانية تامة، وكنت أحكى له متفائلا عما جرى وعشته وشاركت فيه وشفته فى مظاهرات 25 يناير، وقد كان متبقيا لحظتها سبع ساعات لتصبح ثورة 25 يناير!
التجمعات والتنظيمات والمخططات والنشطاء والدعاة للتظاهر والقيادات والرموز كانوا يعملون لهذا اليوم المفصلى فى تاريخ مصر بين رجاء أن يكون جمعة غضب عاتية، وتخوف أن يكون الرجاء حلما، كانت التوقعات عظيمة لأن الثلاثاء ضخ دفقا من الأمل والتفاؤل، لكن التوقعات العظيمة باب الإحباطات العظيمة أيضا، فضلا عن التخوف المشروع من توحش نظام يجد نفسه أمام هذا التحدى المفاجئ والصادم.
كان عدد من المراسلين الأجانب قد انتظروا الدكتور البرادعى عند باب منزله، يفاجئك يناير عندما يأتى يومه دافئا ويسعدك عندما يأتى ساخنا حتى الرغبة فى التخفف من الملابس الشتوية، فأنت ذاهب إلى مظاهرة لا يعلم إلا الله متى تنتهى وإلا ما تنتهى هى وأنت معها. جلسنا معا فى السيارة فى الخلف، وكان على البرادعى شقيقه الأصغر بجوار السائق، خضنا شارع الهرم والدكتور البرادعى يعيد لى ما صرح به للمراسلين الذين يلاحقون سيارته، قال وظل يقول ولم يتوقف عن القول إن على هذا النظام أن يرحل.
هكذا من الدقائق الأولى بدت الرسالة واضحة فى حدتها وحادة فى وضوحها، لكنها مكررة على لسان الرجل الذى لم يكف لمدة عام عن قولها باللغات المختلفة. حكى كيف أن دوره فى الخارج لم يكن غيابا ولا تغيبا، بل إحياء للموضوع المصرى فى العالم كله، قلت له يا دكتور نحن فى جمعة غضب دعا لها كثيرون بينهم أعضاء حملتك وجمعيتك، وعليها بصمتك وصورتك، وصلنا إلى شارع مراد، حيث كانت الطرق سالكة وهادئة ولم يؤذن بعد لصلاة الجمعة، تلك الساعة الأخطر فى حياة مصر، الدعوات كلها ترتكز على الخروج من المساجد بعد انتهاء الصلاة. لا توجد اتصالات عبر الهواتف المحمولة ولا الإنترنت، عدنا إلى القرن التاسع عشر فى أربع وعشرين ساعة. العفوية والفطرة تنظم مسيرة الغضب إذن، لا توجد أى توجيهات ولا تعليمات ولا إرشادات إلى أين يذهب الغاضبون؟ الدعوة أن يغضبوا، والغاضبون يخرجون بلا مخططات ليتركوا الغضب يخطط لهم ويخطهم ويخط مسيرهم ومصيرهم، كان سؤالى لأعضاء حملة البرادعى بمجرد نزولنا من السيارة والتقائنا الوجوه النبيلة التى جاءت للتشارك فى الخروج من مسجد الاستقامة بميدان الجيزة الدكتور عبد الجليل مصطفى والدكتور محمد أبو الغار والدكتور أسامة الغزالى حرب وغيرهم، ماذا سنفعل بعد الخروج فى مظاهرة من المسجد؟
لا جواب لدى أحد، بالفعل لم يكن أحد يعرف، الغضب كان هدفا ووسيلة معا!
بدأنا مسيرة من بضعة عشرات متجهين نحو الميدان عبر شارع مراد قرابة خمسمئة متر، كنت أمسك بيد الدكتور البرادعى وسط حفاوة المحيطين وتدافعهم للتحلق حولنا وبدأت هتافات «الشعب يريد إسقاط النظام».. الهتاف الذى كان مطروحا ومتداولا ضمن هتافات غلبت وتغلبت عليه فى الثلاثاء الماضى، صار وحده وحيدا فى جمعة الغضب سيدا للمشهد فى بواكيره. بدأت تظهر حشود قوات الأمن المركزى المحيطة والمحاصرة للمسجد فى قلب الميدان. تقاربت والتصقت وتمنعت عن السماح بمرور المئات منا، كان قادة الشرطة وقيادات وزارة الداخلية مترددين فى منعنا أو السماح لنا ويبدو أن الأمر كان متروكا لهم فحيرهم اختيار القرار، سمحوا لنا بالعبور من فتحة كالكوة بين صفوفهم، كان أذان ظهر الجمعة قد صدح..
نكمل غدا بإذن الله..